الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الإمام في بيان أدلة الأحكام
الْخَامِسُ: ذِكْرُ اطِّلَاعِ الرَّبِّ سُبْحَانَهُ عَلَى الْفِعْلِ قَدْ يَدُلُّ عَلَى التَّرْهِيْبِ الدَّالِّ عَلَى النَّهْيِ وَقَدْ يَدُلُّ عَلَى التَّرْغِيْبِ الدَّالِّ عَلَى الْأَمْرِ وَقَد يَدُلُّ عَلَى الْأَمْرَيْنِ: {ومَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللّهُ} [البقرة: 197]. {وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللّهَ بِهِ عَلِيمٌ} [البقرة: 215]. {ولاَ تَحْسَبَنَّ اللّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ} [إبراهيم: 42]. {وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ} [هود: 123]. {وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} [البقرة: 234]. {وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} [البقرة: 265]. {إِنَّ رَبِّي بِمَا تَعْمَلُونَ مُحِيطٌ} [هود: 92]. {وَاللّهُ يَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ} [النحل: 19]. {وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الأَرْضِ فَيَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ} [الأعراف: 129]. {ثُمَّ جَعَلْنَاكُمْ خَلاَئِفَ فِي الأَرْضِ مِن بَعْدِهِم لِنَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ} [يونس: 14]. {فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيْهِم بِعِلْمٍ وَمَا كُنَّا غَآئِبِينَ} [الأعراف: 7]. {إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آيَاتِنَا لَا يَخْفَوْنَ عَلَيْنَا} [فصلت: 40]. {وما تكون في شأن وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِن قُرْآنٍ ولاَ تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلاَّ كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُوداً إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ} [يونس: 61]. السَّادِسُ: النَّدَمُ وَالْحَسْرَةُ فِي الْآخِرَةِ: مَنْ نَدِمَ فِي الْآخِرَةِ عَلَى كَوْنِهِ فَعَلَ دَلّ نَدْمُهُ عَلَى النَّهْيِ عَنِ الْفِعْلِ وَمَنْ نَدِمَ عَلَى كَوْنِهِ تَرَكَ دَلَّ عَلَى النَّهْيِ عَنِ التَّرْكِ وَمَنْ تَحَسَّرَ عَلَى كَوْنِهِ فَعَلَ أَوْ تَحَسَّرَ عَلَى كَوْنِهِ تَرَكَ فَكَذَلِكَ، وَمَنْ أَطْلَقَ الْحَسْرَةَ جَازَ تَعَلُّقُهَا بِالْأَمْرَيْنِ: {كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ} [البقرة: 167]. {يَا حَسْرَتَنَا عَلَى مَا فَرَّطْنَا فِيهَا} [الأنعام: 31]. {وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ} [مريم: 39]. {يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ} [يس: 30]. {وَأَسَرُّواْ النَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُاْ الْعَذَابَ} [يونس: 54]. {وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ} [الفرقان: 27]. {قال عما قليل ليصبحن نادمين}. السَّابِعُ: تَعَجُّبُ الرَّبِّ سُبْحَانَهُ إِنْ تَعَلَّقَ بِحُسْنِ الْفِعْلِ دَلَّ عَلَى الْأَمْرِ بِهِ كَقَوْلِهِ صَلَّى اللَهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ: «يَعْجَبُ رَبُّكَ مِنْ شَابٍّ لَا صَبْوَةَ لَهُ» وَإِنْ تَعَلَّقَ بِقُبْحِ الْفِعْلِ دَلَّ عَلَى النَّهْيِ عَنْهُ: {وَإِن تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ} [الرعد: 5]. {بَلْ عَجِبْتَ وَيَسْخَرُونَ} [الصافات: 12]. {كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللهِ} [البقرة: 28]. {وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ} [النساء: 21]: {وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ} [آل عمران: 101]. {قَاتَلَهُمُ اللّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ} [التوبة: 30]. {قُتِلَ الْإِنسَانُ مَا أَكْفَرَهُ} [عبس: 17]. {فَمَا أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ} [البقرة: 175] وَالسِّيَاقُ مُرْشِدٌ إِلَى حُسْنِ الْفِعْلِ الْمُتَعَجَّبِ مِنْهُِ وَقُبْحِهِ كَمَا يُرْشِدُ سِيَاقُ الْوَعْظِ إِلَى أَنَّ تَحْقِيْرَ الشَّيْءِ وَذَمَُّه تَزْهِيْدٌ فِيْهِ وَحَثٌّ عَلَى تَرْكِهِ وَأَنَّ تَفْخِيْمَهُ وَمَدْحَهُ تَرْغِيْبٌ فِيْهِ وَحَثٌّ عَلَى فِعْلِهِ فَقَوْلُهُ: {قُلْ مَتَاعُ الدَّنْيَا قَلِيلٌ} [النساء: 77] تَزْهِيْدٌ فِيْ مَتَاعِهَا: {وَالآخِرَةُ خَيْرٌ لِّمَنِ اتَّقَى} [النساء: 77] ترغيب في السعي لها. وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: {أَرَضِيتُم بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الآخِرَةِ} [التوبة: 38]. وَقَوْلُهُ: {وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلاَّ مَتَاعٌ} [الرعد: 26]. {وَما الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُورِ} [آل عمران: 185]. االثَّامِنُ: تَعْظِيْمُ الْفِعْلِ إِنْ كَانَ فِيْ سِيَاقِ مَدْحٍ دَلَّ عَلَى الْأَمْرِ تَعَالَى: {وإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم: 4]. وَإِنْ كَانَ فِيْ سِيَاقِ ذَمٍّ أَوْ زَجْرٍ دَلَّ عَلَى النَّهْيِ كَقَوْلِهِ: {إِنَّكُمْ لَتَقُولُونَ قَوْلاً عَظِيماً} [الإسراء: 40]. {وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّناً وَهُوَ عِندَ اللَّهِ عَظِيمٌ} [النور: 15]. {والْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ} [البقرة: 217]. {كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْواهِهِمْ} [الكهف: 5]. التَّاسِعُ: التَّوْبِيْخُ وَالْإِنْكَارُ إِنْ تَعَلَّقَا بِفِعْلٍ دَلَّا عَلَى النَّهْيِ عَنْهُ وَإِنْ تَعَلَّقَّا بِتَرْكٍ دَلَّا عَلَى الْأَمْرِ بِالْمَتْرُوْكِ، مِثَالُهُ فِيْهِمَا: {أَتَدْعُونَ بَعْلاً وتَذَرُونَ أَحْسَنَ الْخَالِقِينَ} [الصافات: 125]. وَلَيْسَ قَوْلُهُ: {أَتَأْتُونَ الذُّكْرَانَ مِنَ الْعَالَمِينَ (165) وتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ أَزْواجِكُم} [الشعراء: 165- 166] مِنْ هَذَا الْقَبِيْلِ. هَذَا مِثَالُ التَّوْبِيْخِ الْعَاجِلِ وَأَمَّا الْآجِلُ فَكَقَوْلِهِ: {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً} [المؤمنون: 115]. {أَولَمْ تَكُونُواْ أَقْسَمْتُم مِّن قَبْلُ مَا لَكُم مِّن زَوالٍ} [إبراهيم: 44]. الْعَاشِرُ: شَقَاوَةُ الْآخِرَةِ وَسَعَادَتُهُا: لَا يُوْصَفُ بِشَقَاءِ الآخِرَة إِلَاّ عَاصٍ وَأَمَّا سَعَادَتُها فَقَدْ يُوْصَفُ بِهَا الطَّائِعُ وَهُوَ الْغَالِبُ وَقَدْ يُوْصَفُ بِهَا مَنْ لَمْ يُطِعْ كَأَطْفَالِ الْمُسْلِمِيْنَ وَمَجَانِيْنُهُمْ وَمَنْ اخْتُرِمَ بَعْدَ الْبُلُوْغِ وَقَبْلَ التَّمَكُّنِ مِنَ الْفِعْلِ. الْحَادِيْ عَشَرَ: الْمَوْعِظَةُ وَالتَّذْكِرَةُ يَدُلَّانِ عَلَى الْحَثِّ عَلَى كُلِّ حَسَنٍ وَالزَّجْرِ عَنْ كُلِّ قَبِيْحٍ فَيَدُلَّانِ عَلَى الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ مِثَالُ ذَلِكَ فِي النَّهْيِ قَوْلُهُ تَعَالَى: {يَعِظُكُمُ اللَّهُ أَن تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَداً} [النور: 17]. وَقَوْلُهُ: {إِنِّي أَعِظُكَ أَن تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ} [هود: 46]. وَمِثَالُهُ فِي الْأَمْرِ: {قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُم بِوَاحِدَةٍ أَن تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا} [سبأ: 46]. وَمِثَالُهُ فِيْمَا يَصْلُحُ لِلْأَمْرِ وَالنَّهْيِ: {قد جَاءتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ} [يونس: 57]. {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ} [ق: 37] أَيْ اتِّعَاظًا لِمَنْ كَانَ لَهُ عَقْلٌ: {ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ} [النحل: 125]. {قَالُوا سَوَاء عَلَيْنَا أَوَعَظْتَ أَمْ لَمْ تَكُن مِّنَ الْوَاعِظِينَ} [الشعراء: 136]. الثَّانِيْ عَشَرَ: فِي الْحِكْمَةِ دِلَالَةٌ عَلَى جَمِيْعِ الْأَحْكَامِ فَإِنَّهَا تَدُلُّ عَلَى شَرْعِيَّةِ مَا فِيْهِ جَلْبُ مَصْلَحَةٍ أَوْ دَفْعُ مَفْسَدَةٍ أَوْ يَتَضَمَّنُ لِلْأَمْرَيْنِ جَمِيْعًا وَأَحْكَامُ اللهِ تَعَالَى كُلُّهَا كَذَلِكَ: {واذْكُرُواْ نِعْمَتَ اللّهِ عَلَيْكُمْ ومَا أَنزَلَ عَلَيْكُمْ مِّنَ الْكِتَابِ والْحِكْمَةِ} [الْبَقَرَة: 231]. {ذَلِكَ مِمَا أَوْحَى إِلَيْكَ رَبُّكَ مِنَ الْحِكْمَةِ} [الْإِسْرَاء: 39] إِشَارَة إِلَى مَا تَقَدَّمَ مِنَ المَأْمُوْرَاتِ والْمَنْهِيَّاتِ الَّتِي أَوَّلُهَا: {لاَّ تَجْعَل مَعَ اللّهِ إِلَهاً آخَرَ} [الْإِسْرَاء: 22]. وَآخِرُهَا: {كُلُّ ذَلِكَ كَانَ سَيٍّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهاً} [الإسراء: 38]. الثَّالِثُ عَشَرَ: تمني الهلاك والتسوية بالجماد يصلح للتعلق بترك التقوى فتمني الهلاك كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ} [الحاقة: 27]. وَكَذَلِكَ طلب الهلاك: {يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ} [الزخرف: 77]. وتمني التسوية بالجماد كَقَوْلِهِ: {يَا لَيْتَنِي كُنتُ تُرَاباً} [النبأ: 40]. {يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَعَصَوُاْ الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الأَرْضُ وَلاَ يَكْتُمُونَ اللّهَ حَدِيثاً} [النساء: 42]. الرَّابِعُ عَشَرَ: التمني في الآخرة وإن تعلق بفعل دل على الأمر وإن تعلق بترك دل على النهي: {يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي} [الفجر: 24]. {يَا وَيْلَنَا} [الأنبياء: 14]. {لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَاناً خَلِيلاً} [الفرقان: 28]. .الْفَصْلُ الْخَامِسُ: فِيْ نَفْيِ التَّسْوِيَةِ: نَفْيُ التَّسْوِيَةِ بَيْنَ الْفِعْلَيْنِ أَوِ الْفَاعِلَيْنِ أَوِ الْجَزَائَيْنِ إِنْ رَجَعَ إِلَى تَفَاوُتِهِمَا فِي الرُّتْبَةِ دَلَّ عَلَى تَفْضِيْلِ أَحَدِ الْفِعْلَيْنِ عَلَى الْآخَرِ وَإِنْ رَجَعَ إِلَى الثَّوَابِ وَالْعِقَابِ دَلَّ عَلَى الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ وَإِنْ رَجَعَ إِلَى مَدْحِ أَحَدِ الْفِعْلَيْنِ وَذَمِّ الْآخَرِ رَجَعَ إِلَى أَنَّ أَحَدَهُمَا مَأْمُوْرٌ وَالْآخَرُ مَنْهِيٌّ مِثَالُ نَفْيِ التَّسَاوِيْ فِيْ رُتْبَةِ الثَّوَابِ قَوْلُهُ: {لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُوْلِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ} [النِّسَاء: 95].وَقَوْلُهُ: {لَا يَسْتَوِيْ مِنْكُم مَّنْ أَنفَقَ مِن قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ} [الْحَدِيد: 10]. وَمِثَالُ نَفْيِ التَّسْوِيَةِ بَيْنَ الْجَزَائَيْنِ قَوْلُهُ: {أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللّهِ لاَ يَسْتَوُونَ عِندَ اللّهِ} [التَّوْبَة: 19] أَيْ فِيْ جَزَائَيْهِمَا وَلِذَلِكَ أَرْدَفَهُ بِقَوْلِهِ: {الَّذِينَ آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِندَ اللّهِ} [التَّوْبَة: 20]. وفِي الْكَلَامِ حَذْفٌ تَقْدِيْرُهُ: أَجَعَلْتُمْ أَهْلَ سِقَايَةِ الْحَاجِّ وَأَهْلَ عِمَارَةِ الْمُسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللهِ إِذْ لَا تَصْلُحُ الْمُفَاضَلَةُ بَيْنَ فِعْلٍ وَفَاعِلٍ. قَوْلُهُ: {أَفَمَن كَانَ مُؤْمِناً كَمَن كَانَ فَاسِقاً لَّا يَسْتَوُونَ} [السَّجْدَة: 18] أَيْ ثَوَابًا وَعِقَابًا وَلِذَلِكَ أَرْدَفَهُ بِقَوْلِهِ: {أَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ جَنَّاتُ الْمَأْوَى} [السَّجْدَة: 19]. {وَأَمَّا الَّذِينَ فَسَقُوا فَمَأْوَاهُمُ النَّارُ} [السَّجْدَة: 20]. وَقَوْلُهُ: {لَا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ} [الْحَشْر: 20]. ظَاهِرُهُ فِيْ جَزَائِهِمَا بِدَلِيْلِ قَوْلِهِ: {أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ} [الْحَشْر: 20]. وقد نَفَى اللهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: الْمُسَاوَاةَ بَيْنَ الْفِعْلَيْنِ وَالْفَاعِلَيْنِ وَالْجَزَائَيْنِ فِيْ آيَةٍ وَاحِدَةٍ فَقَالَ: {وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ (19) وَلَا الظُّلُمَاتُ وَلَا النُّورُ (20) وَلَا الظِّلُّ وَلَا الْحَرُورُ (21) وَمَا يَسْتَوِي الْأَحْيَاء وَلَا الْأَمْوَاتُ} [فَاطِر: 19- 22]. فَالْأَعْمَى الْكَافِرُ وَالْبَصِيْرُ المُؤْمِنُ وَالظُّلُمَاتُ الْكُفْرُ وَالنُّوْرُ الْإِيْمَانُ وَالظِّلُ الْجَنَّةُ وَالْحَرُوْرُ النَّارُ ثُمَّ بَالَغَ فِيْ نَفْيِ تَسَاوِي الْفَاعِلَيْنِ بِقَوْلِهِ: {وَمَا يَسْتَوِي الْأَحْيَاء وَلَا الْأَمْوَاتُ} [فَاطِر: 22] فَإِنَّ التَّفَاوُتَ بَيْنَ الْحَيِّ وَالْمَيِّتِ أَبْلَغُ مِنَ التَّفَاوُتِ بَيْنَ الْأَعْمَى وَالْبَصِيْرِ. وَنَفْيُ التَّسْوِيَةِ بَيْنَ الْفَاعِلَيْنِ يَرْجِعُ إِلَى نَفْيِ تَسَاوِي الْفِعْلَيْنِ أَوِ الْجَزَائَيْنِ. .الْفَصْلُ السَّادِسُ: فِيْمَا يَتَضَمَّنُهُ ضَرَبُ الْأَمْثَالِ مِنَ الْأَحْكَامِ: إِنَّمَا ضَرَبَ اللهُ تَعَالَى الْأَمْثَالَ فِيْ كِتَابِهِ تَذْكِيْرًا وَوَعْظًا وَلِذَلِكَ قَالَ: {وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِن كُلِّ مَثَلٍ لَّعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ} [الزمر: 27].فَمَا اشْتَمَلَ مِنَ الْأَمْثَالِ عَلَى تَفَاوُتٍ فِيْ ثَوَابٍ أَوْ عَلَى إِحْبَاطِ عَمَلٍ أَوْ عَلَى مَدْحٍ أَو ذَمٍ أَو عَلَى تفخيم أَو تَحْقِيْر أَو عَلَى ثَوَّاب أَو عِقَاب فَإِنَّه يَدُلُّ عَلَى الْأَحْكَام بِحَسْب ذَلِكَ عَلَى مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ فَأَمَّا تَضْعِيْفُ الْأَجْرِ فَلَهُ مِثَالَانِ: الْمِثَالُ الْأَوَّلُ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {مَّثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ} [الْبَقَرَة: 261] وَفِيْهِ حَذْفٌ فَإِنَّ الْأَمْثَالَ مَظِنَّةُ الحَذْفِ والْاخْتِصَار لِكَثْرَةِ التِّدْوَارِ تَقْدِيْرُهُ: كَمَثَلِ زَارِعِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ " شَبَّهَ مُضَاعَفَةَ أَجْرِ الْمُنْفِقِ بِمُضَاعَفَةِ غَلَّةِ الزَّارِِعِ تَرْغِيْبًا فِي الْإِنْفَاقِ. الْمِثَال الثَّانِيْ: قَوْلُهُ: {وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمُ ابْتِغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ وَتَثْبِيتاً مِّنْ أَنفُسِهِمْ كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ} [الْبَقَرَة: 265] أَيْ كَمَثَلِ غَارِسِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ شَبَّهَ تَضْعِيْفَ الْأَجْرْ هَاهُنَا بِتَضْعِيْفِ غَلَّةَ الْجَنَّةِ فَإِنَّ الْغَارِسَ لَلنَّوَاةِ يَحْصُلُ لَهُ مِنَ النَّخْلَةِ عَشَرَةَ أَقْنَاءٍ مَثَلًا وَيَشْتَمِلُ كُلُّ قِنْوٍ عَلَى أَلْفٍ أَوْ أَلْفَيْنِ ثُمّ يَتَضَاعَفُ ذَلِكَ مَرَّتَيْنِ وَإنمَّا عَظُمَتِ المُضَاعَفَةُ هُنَا بِمَا يَزِيْدُ عَلَى سَبْعِ الْمِائَة لِأَنَّهُ ضَمَّ إِلَيْهَا ابْتِغَاءَ الْمَرْضَاتِ وَالتَّثْبِيْتِ. وَأَمَّا مَا يَرْجِعُ إِلَى إِحْبَاطِ الْعَمَلِ فَلَهُ أَمْثِلَةٌ: الْأَوَّلُ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُبْطِلُواْ صَدَقَاتِكُم بِالْمَنِّ والأذَى كَالَّذِي يُنفِقُ مَالَهُ رِئَاء النَّاسِ} [الْبَقَرَة: 264] أَيْ كَإِبْطَالِ أَجْرِ الَّذِيْ يُنْفِقُ مَالَهُ رِيَاءَ النَّاسِ: {ولاَ يُؤْمِنُ بِاللّهِ والْيَوْمِ الآخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ}. زَارِعِ: {صَفْوانٍ} أَو غَارِسِ صَفْوَانٍ: {عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْداً} [الْبَقَرَة: 264] شَبَّهَ إِبْطَالَ الْكُفْرِ وَالرِّيَاءِ لِلصَّدَقَةِ بِإِذْهَابِ الْوَابِلِ لِتُرَابِ الصَّفْوَانِ. الثَّانِيْ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {أَيَودُّ أَحَدُكُمْ أَن تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِّن نَّخِيلٍ وأَعْنَابٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ لَهُ فِيهَا مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ وأَصَابَهُ الْكِبَرُ ولَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفَاء فَأَصَابَهَا إِعْصَارٌ فِيهِ نَارٌ فَاحْتَرَقَتْ} [الْبَقَرَة: 266] شَبَّهَ إِحْبَاطَ الْأَعْمَالِ عِنْدَ فَقْدِ الْقِيَامَةِ بِإِحْرَاقِ الْإِعْصَارِ لِهَذِهِ الْجَنَّةِ مَعَ هَرَمِ صَاحِبِهَا وَكَثْرَةِ عِيَالِهِ وَقِلَّةِ احْتِيَالِهِ لِهَرَمِهِ وَعِجْزِهِ تَنْفِيْرًا مِّنَ الْكُفْرِ وَالرِّيَاءِ وَإِبْطَالِ الصَّدَقَاتِ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى. الثَّالِثُ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {مَثَلُ مَا يُنفِقُونَ فِي هِذِهِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَثَلِ رِيحٍ فِيهَا صِرٌّ أَصَابَتْ حَرْثَ قَوْمٍ ظَلَمُواْ أَنفُسَهُمْ فَأَهْلَكَتْهُ} [آل عِمْرَان: 117] تَقْدِيْرُهُ: مَثَلُ إِحْبَاطِ مَا يُنْفِقُوْنَ كَمَثَلِ إِهْلَاكِ رِيْحٍ فِيْهَا صِرٌّ لِلْحَرْثِ الْمَذْكُوْرِ وَفِيْهِ زَجْرٌ عَنِ الْكُفْرِ الْمُحْبِطِ. الرَّابِعُ: قَوْلُهُ: {كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ لاَّ يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُواْ عَلَى شَيْءٍ} [إبْرَاهِيم: 18] شَبَّهَ تَعَذُّرَ وَصُوْلِهمْ إِلَى ثَوَابِ شَيْءٍ مِّنْ أَعْمَالِهِ بِتَعَذُّرِ جَمْعِ الرَّمَادِ الَّذِيْ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيَاحُ فِيْ يَوْمٍ عَاصِفٍ وَهَذَا أَبْلَغُ فِي الزَّجْرِ عَنِ الْكُفْرِ لِأَنَّهُ جَعَلَهُ مُحْبِطًا لجَمِيْعِ أَعْمَالِهِمْ وَالْمَثَلُ السَّابِقُ خَاصٌّ بِنَفَقَاتِهِمْ. الْخَامِسُ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {والَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاء حَتَّى إِذَا جَاءهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً ووجَدَ اللَّهَ عِندَهُ فَوفَّاهُ حِسَابَهُ} [النُّور: 39] شَبَّهَ حُسْبَانَهُمْ أَنَّهُمْ يَنْتَفِعُوْنَ بِأَعْمَالِهِمْ بِحُسْبَانِ الظَّمْآنِ السَّرَابَ مَاءً وَشَبَّهَ فَقْدَهُمُ الِانْتِفَاعَ بِهَا فِي الْقِيْمَةِ بِفَقْدِ الظَّمْآنِ المَاءَ لَمَّا أَتَى مَوْضِعَ السَّرَابِ وَهَذَا أَبْلَغُ مِنَ الَّذِيْ قَبْلَهُ لِأَنَّ فِي هَذَا الْمَثَلِ فُقْدَانُ الثَّوَابِ وَالْخَيْبَةِ بَعْدَ الْحُسْبَانِ وَالرَّجَاءِ وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِلرَّجَاءِ فِي الْمَثَلِ السَّابِقِ. |